ثورة التكنولوجيا في الإمارات قادها محمد بن راشد لتصبح الدولة المقر الإقليمي لرواد قطاع التقنية والشركات الناشئة والمواهب والعقول
قبل عقدين من الزمان عندما كانت ملامح المستقبل غير واضحة بعد وعندما كانت المنطقة على أعتاب الألفية الجديدة.. رأت دولة الإمارات مقعدها من المستقبل واتخذت خطوات جريئة ومدروسة.. راهنت على دينامو المستقبل “التكنولوجيا” وكسبت رهانها بجدارة.. من الماضي حيث قال حاكم دبي عام 1999:”إن عصرنا اليوم يشهد ثورة الانترنت.. الجهاز العصبي للاقتصاد العالمي الجديد”، إلى الحاضر حيث عُين وزير للذكاء الاصطناعي عام 2017، باتت الدولة اليوم مركزاً مهماً على خارطة التكنولوجيا والأعمال وحاضنة لرواد القطاع والشركات التقنية الناشئة والعقول والمواهب.
بداية التكنولوجيا في الإمارات
وبفضل الرؤى الاستشرافية والنظرة بعيدة المدى للقيادة في ريادة قطاع التقنية والخطوة الاستباقية التي خطاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” في تأسيس مدينة للتكنولوجيا باسم “مدينة دبي للإنترنت” عندما كان الإنترنت لا يزال في بدايته، تمكنت دولة الإمارات من استقطاب الشركات العالمية العملاقة إلى دبي، المهمة التي كُلف محمد عبدالله القرقاوي مدير عام سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والاعلام آنذاك بتنفيذها خلال 364 يوماً من موعد إطلاق المشروع. وضعت مدينة دبي للإنترنت بيئة تشريعية ووفرت بنية تحتية متطورة ومناخ ملائم لتمكين شركات الاقتصاد الجديد من مزاولة أعمالها في دبي، لتصبح اليوم موطناً لأكثر من 1600 شركة مثل “سيسكو” و”انتل” و”اوراكل” و”اس ايه بي” و”آي بي إم” و”جوجل” و”ميكروسوفت” و”أبل” و”سيسكو” و”ساب” و”أكسنتشر وغيرها من الشركات التي تتخذ من الإمارات مقراً لمكاتبها الإقليمية، إلى جانب 32 ألف متخصص في المجال التكنولوجي عام .2020.
محمد القرقاوي وممثل عن شركة “آي بي إم” يضعان حجر الأساس للشركة في مقر المدينة عام 2002
كما أصبح السوق الإماراتي محط أنظار الشركات العالمية للاستثمار حيث شهد عدداً من الصفقات المليارية مثل استحواذ “أوبر” على تطبيق “كريم” ومقره دبي مقابل 3.1 مليارات دولار واستحواذ “أمازون” على “سوق دوت كوم” مقابل 580 مليون دولار. وفي مختلف إمارات الدولة، تتواجد مجموعة من المناطق التكنولوجية الحرة التي تضم مجمعات أعمال وتعد بمثابة نقطة انطلاق لأولئك الذين يتطلعون إلى إنشاء موطئ قدم في أسواق متعددة.
وتعد التكنولوجياً جزءاً لا يتجزأ من نسيج القطاعات الحيوية في الدولة وعنصراً هاماً في تطويرها بدءاً من تدشين سموه الحكومة الإلكترونية عام 2001 ثم إطلاق الحكومة الذكية عام 2013، وبالنسبة للتعليم فقد استحدثت الدولة نظام التعليم الذكي قبل 10 سنوات، عبر برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي، وضمنت أحدث التقنيات في قطاع الصحة، والاقتصاد وغيرها.
زيارة جيف بيزوس لأبراج الإمارات يرافقه محمد القرقاوي
وعن رؤية سموه وتفكيره الدائم في المستقبل، فقد قال في أحد مقولاته البارزة عام 2003: “دعوني أتحدث إليكم لنتحاور ونفكر في المستقبل لتكون لدينا جميعاً رؤية واضحة؛ عندما بنى المصريون القدماء الأهرامات لم يتخيلوا أنها ستبقى خمسة آلاف عام، إنهم أبدعوا ولم يتخيلوا وعندما رسم الفنان الإيطالي دافنشي لوحته الشهيرة “الموناليزا” لم يتخيل أنها ستكون أشهر لوحة في التاريخ… هو أبدع ولم يتخيل ونحن بكل تواضع نبدع ونتخيل. وإذا كانت النفوس كباراً… تعبت في مرادها الأجسام.”
ونتيجة لاستثمار الحكومة في تنمية هذا القطاع، فقد تحولت الدولة من مستورد للتكنولوجيا إلى مصدر لها وتستضيف سنوياً كبريات الفعاليات المعنية بالتقنية مستقطبة آلاف الزوار والمختصين. كما تبرم باستمرار شراكات مع شركات تكنولوجية عالمية لتبادل المعارف والخبرات، وتعزير استخدام التكنولوجيا في مختلف القطاعات وتسخيرها لتقديم .خدمات متميزة تلبي احتياجات المتعاملين وتوفر لهم تجربة سهلة ومريحة، ما يسهم في تعزيز جودة حياة سكان الدولة تحقيقاً لتطلعات القيادة
مكتوم بن محمد ومحمد القرقاوي مع جاك دورسي مؤسس “تويتر” عام 2019
كما تعد الدولة محطة دائمة وملتقى لرؤساء ومؤسسي أكبر الشركات التقنية في العالم التي تتجاوز قيمتها السوقية مجتمعة النتائج المحلي الإجمالي لعدد من الدول، حيث اختار بعضهم أن تكون دبي أول نقطة يزورها في الشرق الأوسط مثل جاك دورسي مؤسس “تويتر” ورئيسها التنفيذي الذي زار الدولة عام 2019، وجيف بيزوس مؤسس “أمازون”، وبيل غيتس مؤسس “ميكروسوفت”، وإيلون ماسك رئيس شركتي “سبيس إكس” و”تسلا” وغيرهم الكثير.
محمد القرقاوي وتيم كوك في المنتدى الاقتصادي العالمي
وبهدف تطوير آليات وخطط عمل وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في دولة الإمارات والمساهمة في تبني التكنولوجيا وأفضل الممارسات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، افتتحت دولة الإمارات في عام 2019 أول مركز للثورة الصناعية الرابعة في المنطقة بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، بما يعزز توجهات قيادة الإمارات في أن تصبح الدولة نموذجاً عالمياً رائداً في المواجهة الاستباقية لتحديات المستقبل، وتطويع الأدوات التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة لخدمة المجتمع.
ويعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أحد محاور استراتيجية النمو الاقتصادي في الإمارات حيث بلغت حصة قطاع تكنولوجيا المعلومات من إجمالي الناتج المحلي للإمارات نحو 1.4% أي (21.4 مليار درهم) في 2018، مع توقعات بنمو إنفاق القطاع بمعدل سنوي قدره 8% ليصل إلى نحو23.1 مليار درهم بنهاية 2019، بناءً على بيانات مؤسسة “فيتش سوليوشنز.” وصنف تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي الإمارات بأنها واحدة من أكثر الدول صداقة للأعمال على هذا الكوكب.
تصدر مؤشرات التنافسية
وانعكاساً على ما سبق، تحتل الدولة اليوم مكانة مرموقة عالمياً في هذا قطاع التقنية وقد حققت مراكز متقدمة بمؤشرات التنافسية في محور التكنولوجيا، ووفقاً لمؤشر تقرير التكنولوجيا والابتكار لعام 2021 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، فقد حلّت دولة الإمارات في المركز الأول عربياً والـ 42 عالمياً في جاهزية تبني التكنولوجيا العصرية.
وبحسب تقرير حديث صادر عن “هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية” فقد جاءت دولة الإمارات في المركز الأول عالمياً في مؤشر المنافسة في قطاعي الإنترنت والاتصالات الهاتفية لعام 2020، وشراء الحكومة لمنتجات التكنولوجيا المتقدمة والمركز الأول عالمياً أيضا في سرعة النطاق العريض المتنقل، ونسبة النفاذ لشبكة الألياف الضوئية الواصلة للمنازل.
حمدان بن محمد ومحمد القرقاوي ومريم المهيري وعمر العلماء في لقاء مع رئيس سيسكو في المنتدى الاقتصادي العالمي 2019
وواصلت الدولة عام 2020 صدارتها أيضا لمؤشرات التطور التكنولوجي واستخدامه نتيجة جودة البنية التحتية للاتصالات وحرص مختلف القطاعات في الدولة على التزود بأحدث الوسائل التقنية وهو ما ساهم أيضا في رفع قدرة قطاعات الدولة المختلفة على التكيف مع أزمة ” كوفيد-19 ” وأكسبها المرونة في التعامل مع الظروف الناتجة عن الجائحة واستمرارية الأعمال بكفاءة.
وتصدرت الدولة دول العالم كذلك في الاستثمار في البنية التحتية حسب مؤشرات التنافسية العالمية التي تقيس مستوى استثمار الدول في البنية التحتية وحلّت الإمارات في المركز الثالث عالميا في مؤشر الاستثمار في خدمات الاتصالات والمركز الرابع عالمياً في مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا.
وقد حلّت الدولة في المرتبة الأولى عربياً، ودخلت نادي العشرة الأوائل عالمياً في 13 مؤشراً في تقرير المواهب العالمية الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD في نسخة التقرير لعام 2020.
المواهب والعقول
مع المتغيرات العالمية المتسارعة، أصبحت العقول والأفكار أهم سلعة في المستقبل فمن يملكها سيملك المستقبل، أما الحروب الاقتصادية في المرحلة القادمة فستكون حروب أفكار والذين سيقودون التغيير هم أصحاب الأفكار.
محمد بن راشد في حديث مع عدد من الشباب
وانطلاقاً من هذا المبدأ، فقد أجرت حكومة دولة الإمارات تعديلات تاريخية على نظام تأشيرات الإقامة حيث أتاحت في مطلع هذا العام منح الجنسية والجواز الإماراتي للمستثمرين والموهوبين والمتخصصين من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمثقفين وعائلاتهم. وفي 2019، منحت الدولة إقامات طويلة الأمد، تمتد إلى 5 و10 سنوات، لأصحاب المواهب التخصصية، والباحثين في مجالات العلوم والمعرفة بهدف تسهيل مزاولة الأعمال، وخلق بيئة استثمارية جاذبة ومشجعة على نمو ونجاح الأعمال للمستثمرين ورجال الأعمال والموهوبين وترسيخ منظومة تنموية تتميز بالاستقرار، وإشراك أصحاب المواهب الاستثنائية ليكونوا شركاء دائمين في مسيرة التنمية، ما من شأنه أن يسهم في تعزيز المكتسبات والإنجازات التي تحققها الدولة، بما يعزز من استراتيجيتها التنموية في الاستبقاء على المواهب ويرسخ حضورها على مؤشرات التنافسية العالمية.