استحواذ أمازون على سوق.كوم .. قصة من حلم بعيد راود محمد بن راشد فأراد أن يجعله واقعاً على أرض دبي قبل 20 عاماً
خمس دقائق كانت المدة التي حصلت خلالها على موافقة حكومة دولة الإمارات لأكبر صفقة من نوعها في الشرق الأوسط بقطاع التجارة الإلكترونية.. على الرغم من أهمية القرار إلا أنه كان سريعاً وقاطعاً ونافذاً ويعكس مدى سرعة ورشاقة الحكومة في اتخاذ القرار.
بدأت القصة عندما تلقيت اتصالاً من أحد أعضاء فريقي في شهر نوفمبر من عام 2016، أخبرني فيه بأن جيف بيزوس يرغب في لقائي واحتساء كوب من القهوة سوياً، رحبت بالفكرة ولم أكن قد التقيته من قبل.. كان اللقاء في مكتبي بأبراج الإمارات وكانت زيارته ليحدثني عن نيته في استحواذ شركة أمازون على شركة “سوق.كوم” ومقرها مدينة دبي للإنترنت ورغبته في الحصول على موافقة حكومة الإمارات للمضي قدماً في الصفقة، وقال بكل تواضع إنه يترك الوقت الكافي للحكومة للتباحث في الأمر، على مدى شهر أو شهرين أو أكثر إن استدعى الأمر.
خرجت حينها من الاجتماع واتصلت بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأخبرته بأن بيزوس في لقاء معي وأنه يرغب في الحصول على موافقة الحكومة لشراء شركة سوق، وبعد ثوانٍ معدودة جاء قرار سموه بالقول: “يا محمد.. اقتصاد دولة الإمارات مفتوح.. ونحن لا نقفل أبوابنا أمام أي مستثمر يرغب في الاستثمار في الشركات الموجودة في الدولة”.. وبدت لي سعادة سموه بأن السوق الإماراتي أصبح محط أنظار المستثمرين العالميين.” وبعد مباركة سموه للفكرة، اتصلت بسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم وأعلمته عن الصفقة ورحب بها كذلك.
عدت بعدها إلى مكتبي، أخبرت بيزوس بقرار الحكومة وأصيب حينها بالدهشة من السرعة الفائقة التي تتم فيها عملية اتخاذ القرار في الدولة.. وهو ما ينطبق على المبدأ العام الذي تتعامل وفقه الحكومة في عملية صناعة القرار. مهلة الشهر أو الشهرين انقضت في 5 دقائق فقط.. من يعلم ما المدة التي كان سيستغرقها قرار مثل هذا في دولة غير الإمارات! بهذه الكلمات تحدث محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، عن القصة وراء استحواذ شركة أمازون على “سوق.كوم” خلال محاضرة ألقاها في مجلس محمد بن زايد بعنوان “علم اتخاذ القرار.. محمد بن راشد نموذجاً”، مشيراً إلى أن شركة النقل الجماعي التي تأسست عام 2005 تمثل أحد أكبر قصص النجاح التي خرجت من مدينة دبي للإنترنت.
استحواذ أمازون على سوق.كوم
نهج الحكومة في صناعة القرار
منذ تأسيس الدولة، فقد اتخذت الحكومة منهجاً ثابتاً يقوم على السرعة والمرونة في اتخاذ القرار والاستباقية ومواكبة المتغيرات، “الدول اليوم لا تقاس بحجمها ولا بقوتها.. الدول الأسرع في اتخاذ القرار هي التي ستستمر وستكبر وتزداد نفوذاً والدول البطيئة ستختفي أو ستتراجع من خارطة التأثير العالمي، ونحن في دولة الامارات كنا سريعين في اتخاذ القرار.. وهو ما يترجم الطفرة الهائلة التي حققتها الدولة خلال 50 عاماً فقط.. من اللا شيء إلى كل شي”، يضيف القرقاوي. وحري بالذكر أن منهج السرعة في دولة الإمارات لا يقتصر فقط على عملية صناعة القرار وإنما تنفيذ القرار وتحويل الأفكار والمشاريع على المخططات إلى عمران ومنجزات على أرض الواقع.
القرارات في دولة الإمارات ليست فقط سريعة ولكنها استشرافية كذلك.. وصفقة استحواذ أمازون على “سوق.كوم” هي نتيجة لقرار استشرافي اتخذه الشيخ محمد بن راشد عام 1999 بتأسيس مدينة دبي للإنترنت عندما كان الإنترنت في بداياته وكانت الانتقادات في الصحف تتزايد حول استخدام الإنترنت، هذه الانتقادات لم تثني سموه عن قراره بل جعلته أكثر إصراراً على تنفيذ وإنجاز المشروع خلال عام واحد فقط لتحويل دبي لمركز عالمي للأعمال والتكنولوجيا. في ذلك الحين، لفت هذا المشروع أنظار المشككين في مشروع دبي التنموي وبدأت الأقاويل ترتفع إلى السطح: إلى أين تتجه دبي من خلال هذه المشاريع؟ إلا أن النجاح الباهر الذي حققته تلك المشاريع أثبت أنها كانت تسير في الاتجاه الصحيح وأضحت مدينة دبي للإنترنت على إثرها سيليكون فالي الشرق الأوسط، كما أصبحت دولة الإمارات عاصمة الاقتصاد المعرفي في العالم العربي، لتعكس صورة مختلفة عن المنطقة مليئة بالأمل والتفاؤل خصوصاً في عيون الشباب على الرغم من الحروب والنزاعات التي قطعت أوصالها وأرجعتها عشرات بل حتى مئات السنين إلى الوراء.
فقط بعد أقل من 20 عاماً على تأسيس مدينة دبي للإنترنت، تحقق الحلم وأصبحت دبي موطناً ومنصة للمبدعين الشباب لإطلاق مشاريعهم.. بل إنها أن جاز التعبير أصبحت تعرف بــ “أرض الأحلام والفرص” حيث خلقت قرارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، واقعاً جديداً للشباب العرب وجعلتهم جزءاً من الحلم الإماراتي العربي الذي ينظر للتنمية على أنها السلاح الأوحد للتقدم في المرحلة المقبلة.
من مدينة دبي للإنترنت خرجت قصص نجاح لشركات تتجاور قيمتها المليار دولار أو ما يعرف بـــ ” Unicorn “، من بينها صفقة استحواذ «أوبر» على شركة «كريم» بـ11 مليار درهم، وصفقة “ميديا دوت نت” بمبلغ 3.3 مليارات درهم، وهذا كله تحقق لأن سموه كان يؤمن بأن الدول من حقها أن تحلم، وأن تكون لديها طموحات ومشروعات ضخمة.
جيف بيزوس يستمع إلى شرح عن أحدث ابتكارات مسرعات دبي للمستقبل بحضور محمد القرقاوي
جيف بيزوس يطلع على تجربة حكومة الإمارات
بعد انتهاء الاجتماع الذي عبّر خلاله عن إعجابه بنموذج عمل الحكومة الإماراتية، قام جيف بيزوس بجولة بعدد من المؤسسات في أبراج الإمارات رفقة معالي القرقاوي وحضور وعدد من المسؤولين الحكوميين، حيث زار كل من مسرعات دبي المستقبل ومؤسسة دبي للمستقبل ومنطقة 2071، وتعرّف على عدد من المبادرات الخلاقة في المجال التكنولوجي الهادفة لإيجاد حلول للتحديات المُلحة وتعزيز مكانة دولة الإمارات كحضانة للابتكار والمبتكرين.
جيف بيزوس خلال تجربة نظارات الواقع الافتراضي بحضور محمد القرقاوي
كما اطلع على تجربة حكومة الإمارات في استشراف وصناعة المستقبل وتبني أحدث الابتكارات التكنولوجية في العمل الحكومي وتعرف على جهود ومشاريع الحكومة في توفير بيئة خصبة لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة وتنمية القطاع الاستثماري في الدولة.
بعد الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة، بدأت أمازون المفاوضات لشراء سوق.كوم وفي مارس 2017، أعلنت أمازون التوصل لاتفاق لإتمام الصفقة، بقيمة بلغت 580 مليون دولار، وهدفت من خلالها لتعزيز تواجد العملاق العالمي للتجارة الإلكترونية في المنطقة. وعندما استحوذت أمازون على الشركة، كان عدد زوار “سوق.كوم” 45 مليون متسوق شهرياً، بمراكز عمليات في السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
تعزيز الاقتصاد الرقمي
لقد ساهمت الشركات الناشئة في تعزيز الاقتصاد الرقمي وقيادة التحول الرقمي في دبي ودولة الإمارات وزيادة إسهاماته في الاقتصاد الوطني. وتأكيداً على الدور الذي يلعبه الاقتصاد الرقمي في نمو وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة وتعزيز تنافسية الدولة في السوق العالمي وفي اقتصاد المستقبل، فقد استحدثت الحكومة في يوليو من العام الماضي ملف الاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، ضمن مهام وزير الذكاء الاصطناعي في حين بلغت مساهمة الاقتصاد الرقمي 4.3% من إجمالي الناتج المحلي للدولة في العام 2019، وقد جاء تعيين وزير دولة لهذا الملف لمضاعفة هذا الرقم.
وأثبت الاقتصاد الرقمي كفاءته وحاجة العالم له خلال جائحة كوفيد-19 ويأتي اهتمام الدولة به ضمن خطط تطوير منظومة العمل الحكومي في الدولة لمرحلة ما بعد كوفي، خاصة في ظل تنامي الدور الاستراتيجي للاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الذكية وتطبيقات العمل عن بُعد في تسيير دفة العمل في شتى القطاعات وتحريك عجلة الاقتصاد، وتنظيم حركة سلاسل الإمداد محلياً ودولياً بكفاءة وفاعلية.
جيف بيزوس يستمع إلى شرح حول أحد التقنيات المبتكرة بمؤسسة دبي للمستقبل
سياسة الاقتصاد المفتوح
تبنت دولة الإمارات منذ تأسيسها سياسة الاقتصاد المفتوح، واعتمدت في السنوات الماضية مجموعة من الإجراءات والقوانين والتشريعات بهدف دعم النشاط التجاري، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية، واستقطاب الشركات الواعدة والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم بما في ذلك حزم التحفيز الاقتصادي، ونظام الإقامة الذهبية الدائمة الخاص بالمستثمرين الأجانب، وتأشيرة الإقامة لمدة خمسة أعوام لرواد الأعمال، وبرنامج العمل الافتراضي، والقرار المتعلق بمنح الجنسية الإماراتية لمجموعة مختارة من الأجانب.
الإمارات مسرّع المستقبل
إذا كانت هناك مسرعات للدول فدولة الامارات هي أسرع دولة في بناء مشروع حضاري إنساني.. القيادة في دولة الإمارات كانت حكيمة وتستشرف المستقبل وتعيش في المستقبل وتصمم من الفضاء مشاريعها على الأرض.. وهذا ما نحصده اليوم من مكانة عالمية مرقوقة وصلت إليها الدولة إضافة إلى تصدرها لمؤشرات التنافسية في العديد من القطاعات.
جيف بيزوس يتعرف على الابتكارات التكنولوجية في مسرعات دبي للمستقبل بحضور محمد القرقاوي