الخميس, 26 ديسمبر, 2024


محمد القرقاوي: منطقتنا تمر بمرحلة تاريخية ولابد أن تلعب دوراً في إدارة أزماتها ومعالجة خلافاتها وبناء الجسور بين دولها
يناير 25, 2024
معالي محمد القرقاوي

حدد وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي محمد بن عبد الله القرقاوي  3 تحولات يمكن أن تشكل ملامح المنطقة والعالم في المرحلة المقبلة.

وقال في الكلمة الافتتاحية للمنتدى الاستراتيجي العربي الذي انطلقت أعمال دورته الجديدة في دبي اليوم، إن المنتدى يقدم محاولة لفهم حالة العالم العربي اقتصادياً وسياسياً بهدف تعظيم قدراتنا على مواجهة التحديات والاستفادة من فرصه لما فيه من خير واستقرار وازدهار للمنطقة.

ملفات محورية

وأشار القرقاوي إلى أن المنتدى سيناقش مجموعة من الملفات المحورية والساخنة على الساحة العربية والدولية، حيث ستتناول الجلسات حالة العالم العربي سياسياً واقتصادياً، وستجيب على تساؤلات “ماذا يريد العالم العربي من العالم؟”، و”ماذا يريد العالم من العالم العربي؟”، وستتطرق إلى واقع المنطقة بعد عشرين عاماً على غزو العراق، كما سيتم “الإعلان عن تقرير تكلفة عدم تحقيق السلام” بالتعاون بين المنتدى ومجموعة يوراسيا.

وقال وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي محمد بن عبد الله القرقاوي: “نجتمع اليوم لنحاول تشكيل فهم معمق حول الاتجاهات العالمية السياسية والاقتصادية وموقعنا منها.. موقع المنطقة ودورها.. ماذا نريد من العالم.. وماذا يريد العالم منا؟”.

وأضاف : “نجتمع اليوم وقد تغيرت الكثير من القناعات، وتزايدت التساؤلات حول عجز النظام الدولي عن احتواء الأزمات.. في مرحلة تاريخية تؤكد أن منطقتنا لابد أن تلعب دوراً في إدارة أزماتها ومعالجة خلافاتها وبناء الجسور بين دولها لبناء مستقبل أفضل لأبنائها”.

وتابع : “قبل عشرين عاماً، وأمام هذا المنتدى، تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أسس الشرعية الدولية.. وحل عاجل للعراق في إطار يحافظ على وحدته.. وبعد 20 عاماً.. لا يزال العراق يعاني من تبعات الغزو.. ولم يعد العراق هو العراق.. ولم تعد المنطقة هي المنطقة..  وبعد 20 عاماً من كلمة سموه.. لا تزال القضية الفلسطينية هي القضية الأكثر سخونة في المنطقة والعالم.. ولا تزال تأثيراتها على الشعب الفلسطيني وعلى المنطقة وعلى العالم في تصاعد مستمر”.

وأضاف محمد القرقاوي: “بعد 20 عاماً أيضاً من الحديث حول التأثيرات الإيجابية للعولمة، واجتماع المنظومة الدولية على قيم ثقافية وأخلاقية واقتصادية مشتركة، أصبحنا في مرحلة باتت فيها قيم إنسانية أساسية كحماية الإنسان وحماية الأطفال وحقهم في العيش بأمن وأمان، محط اختلاف وانقسام وتشكيك، وأصبحت قيم الإنسانية تناسب شعوباً أكثر من غيرها، وتنطبق معاييرها على بشرٍ دون غيرهم وبحسب الأجندات الدولية”.

تحالفات جديدة

وأكد وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي محمد بن عبد الله القرقاوي أن هذه الدورة تأتي بعد أكثر من عقدين على انطلاق المنتدى الاستراتيجي العربي في 2001، والتي شهدت خلالها الساحة الدولية تغيرات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، وبروز تحالفات جديدة، وتصاعد في الاستقطاب الدولي الذي يهدد مكتسبات “العولمة”، وتداعيات طالت المناخ وأمننا الغذائي والمائي”.

وأضاف: “نجتمع اليوم لمحاولة رصد الاتجاهات الجديدة، وما يخبئه لنا العقد القادم في عالم يعيش ثورة دائمة في التكنولوجيا، أصبحت محط تساؤل حول مخاطرها المستقبلية، عالم يعيش تحالفات اقتصادية جديدة، وصراعات تجارية لا تنتهي، ومفارقات تبدو أحياناً غريبة”.

وقال: “ليست كل التطورات سلبية، بل العكس أغلب تطوراتنا العالمية إيجابية لو نظرنا لها من ناحية القيمة الاقتصادية التي تم خلقها، والدول التي تقدمت تنموياً وانتشلت الملايين من الفقر، وتأثيرات الذكاء الاصطناعي في مضاعفة الإنتاجية، والتطورات الطبية، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تنعم به الكثير من دول العالم”.

وقال : “نحن نرى الخير أكثر من الشر، والسلم أطول من الحرب، والأمل أبقى وأدوم من اليأس، ولكننا نطرح أسئلة في هذا المنتدى، والهدف هو فهم أوضح لسير الأحداث من حولنا.. لبناء عالم أفضل لنا ولأجيالنا القادمة”.

تطورات القضية الفلسطينية

وعن التحولات الثلاثة التي يمكن أن تشكل ملامح المنطقة والعالم في المرحلة المقبلة، قال معالي محمد القرقاوي إن التحول الأول والأبرز في منطقتنا هو تطورات القضية الفلسطينية والحرب في غزّة، والتي راح ضحيتها إلى الآن أكثر من 22 ألفاً، وأصيب فيها أكثر من 57 ألف جريح، وتم تدمير 60% من البنية التحتية في غزة وتهجير 90% من السكان.

وأكد أنها “كارثة بشرية وإنسانية غير مسبوقة منذ عقود، ورغم بشاعة هذه الحرب،  وسعي أغلب دول العالم لإيقافها إلا أن المشهد يستدعي الكثير من التأمل، حيث إن هذه الحرب لم تكن حرباً بين الفلسطينيين وإسرائيل فقط، بل شهدنا حرباً دبلوماسية عالمية، واستقطاباً دولياً حول الحرب، وشهدنا حرباً إعلامية عالمية أيضاً حول القضية، ومن يملك القصة الأقوى لأن الحروب لا تكسب في الميدان، وإنما أصبح ميدانها الجديد هو ساحات الإعلام، وشهدنا استقطاباً بين الأجيال المختلفة حول نفس القضية، وشهدنا صراعاً فكرياً حول المبادئ الإنسانية والمعايير المزدوجة في تطبيقها”.
وتساءل معاليه: “هل ستكون حرب غزة هي الدافع والسبب الرئيسي لسلام دائم في المنطقة وإقامة دولة فلسطينية، أم ستكون بداية حرب ممتدة في جبهات جديدة مختلفة في المنطقة؟ هل ستكون الحرب الأخيرة أم بداية لحروب جديدة؟”.

دور خليجي مؤثر

وأشار محمد القرقاوي إلى أن التحول الثاني هو بروز دول الخليج كقوة اقتصادية كبرى وشريك مؤثر في القضايا العالمية يمارس دوره في الوساطة لإيجاد الحلول في المسائل السياسية والاقتصادية والمناخية والإنسانية، حيث أكدت أخيراً الاستضافة الناجحة لدولة الإمارات لمؤتمر الأطراف “كوب 28” على الدور المحوري لدول الخليج في صياغة الأجندة البيئية للعالم، كما أكدت استضافة قطر لكأس العالم 2022، والمملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034 على دور دول الخليج في صياغة الأجندة الرياضة للعالم، ودورها عبر استضافة إكسبو 2020 دبي، وإكسبو الرياض 2030 في صياغة أجندته الثقافية.

وأضاف: “أصبحت دول الخليج تساهم في تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية وصناعة التوازنات عبر انضمامها للتكتلات الاقتصادية الكبرى، وباستخدام مبدأ جديد في العلاقات الدولية قائم على الانفتاح على الجميع، وتوسيع دائرة العلاقات الاستثمارية والبناء الناجح للشراكات القائمة على استفادة جميع أطرافها”.

وتابع: “تشكل اليوم دول الخليج قوة استثمارية ضخمة على مستوى العالم، حيث بلغ إجمالي حجم الصناديق السيادية الخليجية 3.8 تريليون دولار.. الأكبر عالمياً، وهي تمثل 34% من حجم الصناديق العالمية، وشهدنا في 2023 انضمام كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية لمجموعة البريكس إلى جانب ومصر، وإثيوبيا، وإيران، وبانضمام هذه الدول يبلغ حجم اقتصادات بريكس نحو 28 تريليون دولار”.

وأشار معاليه إلى أن دول الخليج أصبحت مركز جذب ديمغرافياً واستثمارياً واقتصادياً وبوصلة للعقول والمواهب بفضل الرؤى التنموية التي جعلت تحقيق الاستقرار الاقتصادي ورفاه مواطنيها الأولوية الأولى على رأس أجنداتها وخطط عملها.

واستشهد وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي محمد بن عبد الله القرقاوي، بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: “إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد.. فيجب وضع الحصان أمام العربة”.. وهذا بالتحديد ما تفعله دول الخليج، حيث جعلت أولوياتها الوطنية الكبرى هي أولويات اقتصادية، مما انعكس على ثقلها الدولي وأدائها السياسي ودورها في خلق توازنات عالمية جديدة.

وطرح تساؤلاً حول كيف سيتطور الدور الدولي الذي تلعبه دول الخليج خلال الفترات القادمة؟ وما هي الفرص والتحديات التي ستواجه هذا الدور؟ وكيف يمكن تعزيز الثقل الاقتصادي والسياسي العالمي لدول الخليج دون دفع كلفة عالية أو الدخول في مواجهات واستقطابات مع أي منظومة دولية أخرى؟، وكيف يمكن تقليل الفجوة التنموية والاقتصادية بين دول الخليج ومحيطها بما يضمن مستقبلاً مستقراً للمنطقة ككل؟.

تصاعد وتيرة الاستقطاب

وأكد  محمد القرقاوي أن “التحول الثالث هو تصاعد وتيرة الاستقطاب ليس فقط دولياً، ولكن أيضاً داخل المجتمعات.. استقطابات فكرية ودينية وسياسية وأيضاً اجتماعية”.

وقال : “نشهد انقساماً بين الشرق والغرب.. انقساماً في القيم والتوجهات السياسية.. وانقساماً حول القضايا الدولية، وانحساراً للعولمة الاقتصادية لصالح الشعبوية والحمائية، نشهد انفجاراً معلوماتياً، وفوضى إعلامية وبالأخص في الإعلام ترسخ هذه الانقسامات، ورأينا كيف صعد أقصى اليمين في دول مثل الأرجنتين وبولندا إلى سدة الحكم، ونعلم أنه في العام الحالي سيتجه أكثر من 4 مليارات شخص إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في أكثر من 75 دولة حول العالم”.

وتساءل معاليه هل سيكون العام 2024 عاماً تتزايد فيه انقسامات المجتمعات وتباعد الدول والثقافات.. أم سيكون عاماً تقترب فيه المسافات وتُبنى فيه جسور جديدة من العلاقات؟.